lamssaqui abderrahim
| موضوع: إلى من ذاق حرارة المعاناة .. إلى المريض ! الأحد نوفمبر 02, 2008 4:14 am | |
| إلى من ذاق حرارة المعاناة .. إلى المريض !
هل تعاني وتقاسي ؟ .. هل قلبتك صفحات الحياة وأرتك وجهاً غير الوجه الذي أنت تعرفه ؟ وهل خضت التجربة وقست درجة حرارة المعاناة والألم ؟ وهل أيقنت أنك لست أنت الوحيد في هذا العالم الذي يعاني ، هناك من هم مثلك يسيرون على نفس دربك يلتمسون الخطا علَّهم يجدون دواءاً شافياً ، هل علمتك التجربة « تجربة المرض » أن تصبر وترضى وتسلم علَّ ذلك يثقل الميزان ويمحو شيئاً مما كان ؟ هل عرفت قيمتك عند من هم يهتمون بأمرك ومن هم يتمنون لو أن الصحة والعافية تهدى لأهدوك ما تفتقد منها في زمن قلَّ أن تجد من يعيش معك آلامك وأحزانك ، ولا أبخس الطيبين من عباد الله حقهم .
تذكر يا من ذاق حرارة المعاناة أن « الإنسان في حياته يكون أقرب إلى الله حين يمرض ؛ ذلك أنه يحس بنعمة الله ، وكلمة ( آه ) التي يقولها الإنسان وهو يتألم كلمة فطرية يفزع بها الإنسان إلى خالقه ؛ لأنه هو الذي وهبه وهو الذي يستطيع أن يشفي ؛ فإذا ما استرد الإنسان صحته استرد معها افتراءه ونسي النعمة ؛ لأن الإنسان يفقد الأثر بالنعمة ما دامت هي موجودة وهي ممنوحة له من الله دون أن يتعب أو أن يجهد . إذن فقيمة الأحداث التي تصيب الإنسان في نفسه أو تحيط به من نعم إنما هي تذكرنا بالخالق - سبحانه وتعالى - الذي أعطانا هذه النعمة ؛ ولولا تلك الأحداث والأزمات لمضينا في حياتنا أو لمضى الكثير منا في حياته وهو لا يحس بنعم الله عليه » [21] ، ونعم الله - عز وجل - كثيرة ومتعددة ثم بعد ذلك هل يمكن أن تدوم هذه النعم ؟ وهل يمكن أن تكون الأيام بكل ما فيها لنا ومعنا دائماً ؟ بالطبع لا ؛ وهذا محال ، وهل يمكن أن تكون كلها مسرات ؟ لا ؛ فقد يصاب الإنسان في نفسه أو في ماله أو في دينه ولكنه يصبر ويحمد الله على كل حال ويتعامل مع مصائبه تعاملاً خاصاً .
اكتشافات ينعم بها المريض :
- المرض نعمة : من حيث إنه يعرفك بقيمة نفسك ويبصرك بعيوبك وأنك مخلوق ضعيف لا تستطيع رد ما أنت فيه ؛ فأنت ضعيف أمام قدرة الله قد خارت قواك وأصبحت في حال غير الحال التي كنت عليها ؛ تلك الحال التي ربما قد طغيت فيها أو تكبرت واستعليت ، فجاء هذا المرض وإن قلَّ ليعرفك بقيمة نفسك . قال - تعالى - : كَلاَّ إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى ( العلق : 6 ) . - المرض نعمة : حيث إنه يعرفك بمعادن الناس الأوفياء ومدى حبهم وإخلاصهم لك وما يبذلونه لك من النصح والتذكير بالله وإرشادك إلى طريق العلاج المشروع ، وربما حظيت بدعوة في ظاهر الغيب يرددونها ليل نهار ؛ فهم كالذهب لا يصدأ .
- المرض نعمة : من حيث أنه يذكرك بالله ويلجئك إليه ؛ فمن ذا الذي دعاه فرده ؟ ومن ذا الذي سأله ولم يعطه وكل شيء بيده - سبحانه - ؟ : وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ ( يونس : 107 ) . - المرض نعمة : من حيث إنه كالنار التي تنقي الذهب مما علق به والتصق تُكفر به خطاياك ، وتُمحى به ذنوبك ، وترتفع به درجتك « إن الرجل لتكون له عند الله المنزلة العالية ، فما يبلغها بحسن عمله ، فلا يزال الله يبتليه بما يكره ، حتى يبلغه إياها » [22] . - المرض نعمة : من حيث إنه يذكرك بإخوة في الله من المسلمين يعانون مثلما تعاني ، وربما أشد وأقسى من قتل وتشريد وتعذيب واضطهاد ، وربما يبحث الواحد منهم عن دواء أو حتى ماء يسد به رمقه فلا يجده ؛ ولا حول ولا قوة إلا بالله .
كيف تتعامل مع مرضك ؟ 1 -ضع نصب عينيك أن الابتلاء لا بد منه ؛
ولكن تعاملنا نحن مع هذا الابتلاء يختلف من شخص إلى آخر قال - تعالى - : وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمْوَالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمُ المُهْتَدُونَ ( البقرة : 155-157 ) ، يقول الشرباصي في هذه الآية : « أنتم جميعاً ستبتلون بشيء من هذا الابتلاء ، أو ذاك ، أو ذاك ولكنكم لن تكونوا سواء في تحملكم التبعات والمسؤوليات في هذا الابتلاء ؛ فمنكم من يصبر ، ومنكم من لا يصبر ، ومنكم من يسترجع ، ومنكم من لا يسترجع . إن الابتلاء نازل بكم جميعاً ، ولكن صنفاً خاصاً منكم هو الذي يستحق الثمرة الطيبة : وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ( البقرة : 155 ) وكأن هذا إيحاء إلى الإنسان بأنه ما دام سيتعرض للابتلاء ، وما دام سيصيبه ما قدر له من لون أو ألوان هذه الابتلاءات ، فمن الخير له أن لا يجزع ما دام الابتلاء واقعاً سواء رضي أم أبى ، وما دام سينال أجر الابتلاء وافق أم لم يوافق ، فخير له أن يكون من الصنف الطيب وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ( البقرة : 155 ) » [23] .
2 - أبعد التشاؤم عنك ،
ولا تغمض عينيك حتى لا ترى سواداً حالكاً من
الهموم والأحزان ؛ فتعيش منطوياً على نفسك بعيداً عن أنظار الآخرين تتوقع في كل لحظة الموت والمصير الأخير ، ولا تترك أيها المريض هذه الأوهام والأحزان تسري إلى قلبك وتغطي عقلك لتترك مجالاً لوساوس الشيطان وتسبب لك أمراضاً أخرى وهمية ناتجة عن ضعفك وتشاؤمك . يقول السعدي - رحمه الله - : « ألم تعلموا أن ضعف القلب وكثرة أوهامه هو الداء العضال ، وقوة القلب مع التوكل على الله صفة أقوياء الرجال ؟ فكم من أمراض خفيفة صيرتها الأوهام شديدة ؟ وكم من معافى لعبت به الأوهام فلازمه المرض مدة مديدة ؟ وكم ملئت المستشفيات من مرضى الأوهام والخيالات ؟ وكم أثَّرت على قلوب كثير من الأقوياء ، فضلاً عن الضعفاء في كل الحالات ؟ وكم أدت إلى الحمق والجنون . والمعافى من عافاه من يقول للشيء كن فيكون ؛ فصحة القلوب هي الأساس لصحة الأبدان ، ومرض القلوب هو المرض الحقيقي » [24] . أنا لا أنكر أن الإنسان يمر في مرضه بحالة نفسية تضيق أمامه الدنيا ولكنه متى ما ترك لنفسه المجال في التفكير أدى ذلك إلى ضيق وتمنٍ للموت ، بل يصل الحال عند البعض إلى أن يُقدِم على الانتحار . قد يتمنى الإنسان الموت لضغوط يمر بها ويَدعو على نفسه ولا يدري « ربما يموت إلى عقوبة وعذاب قبر ، وإن بقي في الدنيا فربما يستعتب ويتوب ويرجع إلى الله فيكون خيراً له » [25] والرسول صلى الله عليه وسلم قال : « لا يتمنَّين أحدكم الموت من ضر أصابه ؛ فإن كان لا بد فاعلاً فليقل : اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي ، وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي » [26] . 3
فتش في نفسك عن سبب مرضك وعالجه من الناحية « المادية »
بالوسائل المشروعة ، ولا تهمل ذلك ، وابحث عن الدواء ؛ فلكل داء دواء إلا الموت ، واحرص على اختيار الطبيب المسلم التقي إن قدرت ، وإن قدر لك وكان طبيبك غير ذلك فاحذر ذلك الصنف منهم الذي بكلماته تضعف النفس ويقوى هاجس الخوف من المرض ، ولا أبخس الأطباء حقهم ولكن « لكل قاعدة شواذ » ؛ فلقد وجد من هم على غير الإسلام يتمثلون أو يمثلون ذلك الصنف . ومن الناحية « المعنوية » حاسب نفسك وكن منصفاً ، وإياك أن تجاريها أو تخدعها « فينبغي إذن لمن أصابته ضراء أو مسته بأساء أن يبحث أولاً عن سبب ذلك في نفسه ويحاسبها ويعاتبها ، قال - تعالى - : مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ ( النساء : 79 ) ، وقال - تعالى - : وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ ( الشورى : 30 ) فإن غُمَّ عليه ولم يعرف لذلك سبباً ، فلا تجعل للحزن عليه سبيلاً إلى قلبه ، بل يرجع إلى السياسة الإلهية العليا ، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه ، وما أخطأه لم يكن ليصيبه » [27] . ثم إياك وتلك العبارات التي تعبر عن سخط وضجر كقول القائل : « يا ربي ماذا فعلت حتى تفعل بي هكذا ؟ ! » فأنت لا تدري ما الحكمة من وراء هذا المرض . يقول الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله - : « إذا أصيب الإنسان بمرض فالله لم يرد به الضر لذاته ، بل أراد المرض ، وهو يضره ، لكن لم يرد ضرره ، بل أراد خيراً من وراء ذلك ، وقد تكون الحكمة ظاهرة في نفس المصاب ، وقد تكون غير ظاهرة في غيره ، كما قال - تعالى - : وَاتَّقُوا فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ العِقَابِ ( الأنفال : 25 ) ، فالمهم أنه ليس لنا أن نتحجَّر حكمة الله ؛ لأنها أوسع من عقولنا ، لكننا نعلم علم اليقين أن الله لا يريد الضرر لأنه ضرر ؛ فالضرر عند الله ليس مراداً لذاته ، بل لغيره ولا يترتب عليه إلا الخير » [28] | |
|