يعرض وزير الصحة السابق أومبرتو فيرونيزي جبهة جديدة ساخنة في الحرب مع السرطان وهي عبارة عن أدوية قادرة على منع الكتلة الورمية من التكون او التطور ويقول إن الغاية هي الوصول قبل المرض لقهره مسبقاً، ونحن نستطيع قهر المرض الخبيث من طريق معالجة الجسم وكأنه بيئة ميكروسكوبية يمكن برمجتها والتحكم بها كي لا تحتضن المرض. نستطيع إنجاز ذلك عن طريق الأنظمة الغذائية السليمة وأنماط الحياة الصحية وكذلك بواسطة الأدوية التي تستعمل عوامل منشطة تنجح في التداخل لمنع نشوء السرطان. في نهاية القرن الثامن عشر، قام الجراح البريطاني "ستيفن باجيت" بفبركة نظرية "البذرة والأرض" حيث يجري تشبيه السرطان بنبتة معدية تُبرعم عندما تجد التربة المناسبة. لكن إذا ما عولجت هذه التربة بشكل مناسب فان السرطان لا يمكنه الترعرع فيها. بالفعل، إنها نظرية ساحرة انتظرت تقدماً علمياً دام عشرات السنين قبل أن تضحي واقعية.
لقد تعودنا فكرة استباق خطر السكتة أم الجلطة عبر أدوية تقوم بتخفيض الكولسترول السيئ وتراقب ارتفاع ضغط الدم. اليوم، ينجح ملايين الأشخاص حول العالم في العيش بصحة جيدة لمدة أطول بفضل هذه الأدوية.
* يراهن الأطباء اليوم على الحصول على النتائج المشجعة نفسها في ما يتعلق بالسرطانات. كيف يمكن ذلك؟
- بفضل تطور الطب نستطيع اليوم تمييز هؤلاء المعرضين لخطر تطوير السرطان. علينا ألا ننسى أن خريطة الجينوم البشري تجهزنا الآن ببعض الفحوص الجينية المفيدة جداً لتعريف وتحديد هذا الخطر ودرجته. أذكر منها مثلاً التشويه الذي يصيب الجينين (Brca 1) و(Brca 2) والذي يشير الى الإصابة بسرطان الثدي. كذلك تستطيع هذه الفحوص كشف النقاب بسهولة عن سرطان القولون. في أي حال، ثمة العديد من المؤشرات المتعلقة بأخطار الأورام الخبيثة التي ما تزال قيد الدرس. قريباً، ستجهزنا البحوث بفحوص جديد قادرة على احتساب مدى تعرض المريض للخطر. عادة، نحن نضيف الى هذه الفحوص بيانات الملف العائلي وذلك السريري(العادات السيئة كما التدخين والتغذية الناقصة) كي نرسم ملامح الخطر السرطاني. ونجحنا في صقل دقة هذه الفحوص الى أقصى الحدود.
* ما هي الوسائل الوقائية أمام سرطان الثدي؟
- لدينا برنامج وقائي متكامل نتبعه اليوم مع النساء المعرضات لخطر سرطان الثدي. فعليهن الخضوع للتصوير بالرنين المغناطيسي مرة واحدة كل سنة. قريباً، ستنتج ايطاليا دواء مضاداً للسرطان، يشتق من الفيتامين "أ". ينبغي أخذ حبة من هذا الدواء كل يوم وكأنه مكمل غذائي. في المعهد الأوروبي لدراسة الأورام في مدينة ميلانو، اختبرنا بنجاح استعمال مشتق من حمض ريتينويك يدعى"فينريتينايد" (Fenretinide) للوقاية من سرطان الثدي لدى النساء الشابات.
* ما هي درجة سمية هذه الأدوية الوقائية؟
- تتمتع هذه الأدوية بدرجة سمية منخفضة للغاية. أما آثارها الجانبية فليست جديرة بالذكر. يكفي مثلاً تناول حبة أسبرين كل يوم لفترات طويلة من أجل تخفيض خطر الإصابة بسرطان القولون. علاوة على ذلك، فان هذه الأدوية الوقائية رخيصة للغاية(دواء فينريتينايد يُباع بالصيدليات مقابل يورو واحد) ويمكنها، في الوقت ذاته، إنقاذ أرواح الملايين حول العالم.
* إذن، كيف تصنفون هذه الأدوية الوقائية؟
- إنها تبدو واعدة وسحرية. تتعلق الأبحاث الأكثر إثارة حولها بنشاط أدوية الستاتين المضاد للسرطان. حالياً، تستعمل هذه الأدوية للوقاية من أمراض الأوعية القلبية. في حال تم التأكد من فعالية هذه الأدوية ضد السرطانات فإننا أمام معجزة علاجية ذات حدين، قلبي وسرطاني.
* هل علينا أن نؤمن بتناول بعض الأدوية كوسيلة وقائية بعيدة كل البعد من الأهداف التجارية البحتة؟
- نعم! كما علينا تسخير الأدمغة ووسائل التمويل المواتية من جانب الحكومات لتطويرها. فالسرطان مشكلة من مشاكل الصحة العامة، حول العالم. والإمكانات العظيمة لهذه الأدوية الوقائية عليها أن تستلم الجواب المناسب من خلال القرارات السياسية. على غرار ما فعلته الولايات المتحدة الأميركية في السنوات الأخيرة، أعتقد أن مؤسسات الأبحاث، الخاصة والرسمية، عليها تأسيس أقسام خاصة بهذه الأدوية الوقائية. على الصعيد الأوروبي، تخطط السلطات الصحية لتأسيس شبكة معلوماتية تفاعلية لمشاطرة نتائج الأبحاث حول هذه الأدوية